تخطيط الكفايات
تخطيط الكفايات
في البداية لا بد من تدقيق دلالة مفهوم الكفاية في مجال البيداغوجيا، و عدم خلط معناه بدلالة الكفاية في مجال المقاولة و الموارد البشرية المهنية. الكفاية في مجال التربية استنادا على المرجع الدولي للكفايات سواء في صيغته الأمريكية أو صيغته الكندية الفرنسية، هي بنية مركبة من مجموعة من القدرات التي تدخل في ثلاثة مجالات: معرفية ، و انجازية، و موقفية، و بالتالي تكون الكفاية هي قدرة عليا تقبل أن تتحلل الى قدرات فرعية قابلة للملاحظة و القياس.
على هذا الأساس لابد من التمييز الواضح بين الكفاية و القدرة على ضوء معيار الشساعة و الاشتمال، فالكفاية هي قدرة غير أنها قدرة مركبة و شاسعة لعدة مجالات متداخلة، في حين أن القدرة بما هي استطاعة على فهل شيء ما، تكون قطاعية و جزئية ، و تيقبل أن تدخل في الكفاية، فالكفاية أشمل من القدرة. لكن هناك ما يوحد بين القدرة و الكفاية هو اشتراكهما في كونهما معا مكتسبات دائمة، فبمجرد ما يمتلك المتعلم الكفاية أو القدرة فهذا الاكتساب يصبحا مدمجا في بنيته الادراكية و الانجازية، و من المستبعد زوالهما في المدى القصير أو المتوسط. و من جهة ثانية تخاطب الطفاية بما هي قدرات مركبة مما هو معرفي و انجازي سلوكي و قيمي موقفي شخصية المتعلم ككل، و لا تختزل التعلم فيما هو معرفية فقط، فتدريس الكفايات كخيار بيداغوجي يتوخى تنمية شخصية المتعلم كفرد قادر على التفاعل مع الوضعيات الحياتية.
أما الهدف فهو يرتبط بالكفاية بعلاقات ملتبسة، نوضحها فيما يلي:
- بشكل عام يمكن اعتبار الهدف هو كل قصد نتوخاه من خلال الفعل التربوي، و بذلك تكون الكفايات و القدرات و الأهداف هي مقاصد و أهداف تربوية. لكن من وجهة الديداكتيك العام، يمكن تمييز الهدف عن الكفاية في كون أن الهدف يرتبط بمحتوى محدد في مادة دراسية معينة في زمن محدد يكون في الغالب قصيرا جدا لا يتعدى حصة أو درس.
- من العيوب التي كانت توجه البي بيداغوجيا الأهداف أنها سلوكية و اجرائية و تجزيئية بشكل ميكانيكي لعلميات التدريس و التعلم، بمعنى تغلب عليها النزعة التقنوقراطية، هذا القصور ستتغلب عليه بيداغوجيا الكفايات التي ستعتبر الجيل الجديد من بيداغوجيا الأهداف من خلال مقاربة شمولية للتعلم يأخذ بعين الاعتبار الطابع التركيبي و الشمولي للتعلم لمختلف جوانب شخصية المتعلم و مناحي الحياة الاجتماعية و الفردية.
- تقبل الكفاية أن تتحلل الى قدرات و القدرات الى أهداف و الأهداف تحلل الى مهارات.فالهدف يرتبط بحصة لكن المهارة ترتبط بنشاط أو مرحلة أو مقطع من حصة.
على هذا النحو فإن تخطيط الكفاية يتبع هذا التدرج: الانطلاق من الكفاية و جرد القدرات التي تستدعيها، و بيان الأهداف التي تنضوي تحت هذه القدرة، و تفكيك الهدف الى مهارات التي تلعب دور المؤشرات في التحقق من تحقيق الهدف.
و من بين الأمور الأخرى التي يجب الاشارة اليها في صدد تخطيط الكفايات، أن الكفايات لا تبرز إلا في اطار وضعيات تعلمية، غير أن الوضعية هي سياق تعلمي يوضع فيه المتعلم ، و يكون قريبا من وضعيات الحياة اليومية و يتضمن مشكلة أو عائقا يثير المتعلم و يتطلب منه تحريك جملة من الموارد و التوليف بينها لإيجاد حل. و تبعا لهذا التعريف للوضعية في ارتباطها بالكفاية تكون الكفاية هي تعلمات تتجه نحو تنمية ذكاء المتعلم، على اعتبار ان التعريف السيكولوجي و البيداغوجي للذكاء كما حدده بياجي هو قدرة الفرد على التعامل مع الوضعيات و استيعاب معطياتها و التصرف السليم من أجل ايجاد حل لها أو التكيف معها بشكل فعال.
إذن فتخطيط التعلمات في بيداغوجيا الكفايات يجب أن يمر عبر تخطيط الوضعيات التعلمية، سواء كانت وضعيات استكشاف و تعلم الموارد، أو وضعيات تعلم ادماج موارد، أو وضعيات تقويم تعلم ادماج الموارد، لكن كل هذه الوضعيات يجب أن تتوفر فيها مشكلة ما ذات معنى، و تثير انخراط المتعلم. فتخطيط الكفايات تبعا للتعلم بالوضعيات يستدعي من جهة ثانية اعتماد مقاربة التدريس النشط.
غير أن الأنشطة أو الطريقة النشطة لا يمكن اختزالها في الأنشطة التقليدية التي يقوم بها المتعلم، مثل القراءة و الاجابة على اسئلة الأستاذ، أو انجاز التمارين التي يقترحها عليه، لكن النشاط الحقيقي هو عندما يتحول المتعلم الى باني لتعلماته من خلال وضعيات اكتشاف و بحث للموارد و توظيفها من خلال عمليات تجريب و المحاولة و الخطأ، عبر العمل في مجموعات أو عمل فردي، لذلك فالتنشيط الحقيقي يستدعي من المدرس أن يتحول الى مساعد و موجه فق لعمل التلميذ – سنعود لا حقا الى الحديث عن تخطيط الوضعيات و شروطها -.
بالعودة الى تخطيط الكفايات يمكن الاشارة الى المقتضيات التالية:
- الكفاية ترتبط بسيرورة تعلم طويلة الأمد، و هي غالبا ما تكون سنة دراسية، و لا يمكن الحديث عن كفاية لمرحلة دراسية أو وحدة دراسية. لهذا بالرجوع الى الدليل المرجعي للكفايات المعتمد من طرف وزارة التربية الوطنية نلاحظ أن عدد الكفايات للمواد الدراسية لا يتعدى كفايتين في السنة الواحدة. و بالتالي فإن ما يتحق في نهاية كل مرحلة التي تتكون من ستة اسابيع لتعلم و اسبوعين للتقويم و الدعم هو لا يتعدى ان يكون قدرات أو اهداف نوعية، بمعنى متوسطة الأمد تدخل في نماء الكفاية.
- تنقسم الكفايات الى نوعين: كفاية أساس ترتبط بالمادة الدراسية و هي واحدة، و كفايات مستعرضة تكون مشتركة بين عدة مواد، و هي ذات طبيعة بين- تخصصية، تساهم كل المواد في بناءها. و يمكن اثناء التخطيط الأخذ بعين الاعتبار الكفايات المستعرضة.
- لا يمكن الحديث عن الكفايات المنهجية، و لا الاستراتجية و لا التواصلية و لا المعرفية، لأن الكفاية كل مندج و لا يقبل التقسيم و التبويب الى كل هذه الأنواع، فالكفاياة بحكم شمولها تتضمن ما هو منهجي و ما هو تواصلي و ما هو تكنولوجي و وجداني الى غير ذلك. لهذا يجب الانتباه الى أن الدليل المرجعي للكفايات لا يأخذ بعين الاعتبار هذه الأنواع من الكفايات، لكن نجد بعض الكتب المدرسية المعمول بها في بعض المواد كالاجتماعيات و التربية الاسلامية في التعليم الابتدائي و الثانوي لا تزال تتضمن مثل هذه الأنواع. و مبرر ذلك أن هذه الكتب المدرسية التي تتحدث عن كفايات لكل وحدة دراسية على مستويات متعددة : منهجية، استراتجية، تكنولوجية... تمت صياغتها في اطار بيداغوجيا الأهداف و تم تحيينها عندما تم اعتماد بيداغوجيا الكفايات و لكن من خلال استبدال عبارة الأهداف النوعية بعبارة الكفايات، مما نتج عنه مفارقة واضحة هي الحديث عن الكفايات بلغة بيداغوجيا الأهداف.
- لا يمكن التخطيط في مرحلة أو وحدة أو حصة سوى لقدرات جزئية أو أهداف، و لا يمكن الحديث عن كفاية، قالتخطيط للحصة يقتضي استحضار الكفاية الأساس التي تبنيها المادة، و في نفس الوقت الأهداف التي نريد تحقيقها في الحصة و التي يفترض أنها تساهم في بناء الكفاية الى جانب مجموع الأهداف للحصة الأخرى طلية سنة دراسية.
- لا تقبل الكفاية للتقويم المباشر، و إنما تقوم الأهداف، التي تعتمد بدورها على تقويم المهارات التي تعد مؤشرات لتحقق الهدف. فالتقويم الإشهادي الذي يتحقق في نهاية السنة هو الذي يحكم على تحقق الكفاية من عدمه، أما التقويمات المستمرة و المرحلية تقوم فقط الأهداف و تقدم لنا مؤشرات هل نحن في الطريق الصحيح لبناء الكفاية. سنعود لتقويم الكفايات في مجزوءة التقويم-
محمد سعد
يتبع